Minggu, 27 Juli 2008

من هو الشيخ الأكبر



تعريف الشيخ محيي الدين ابن العربي كما ورد في كتاب شمس المغرب

الشيخُ الأكبر محيي الدين ابن العربي هو محمدُ بن عليّ بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي الطائي من ولد عبد الله بن حاتم أخي الصحابي الجليل عديّ بن حاتم، ويلقب بمحيي الدين، ويُكنّى أبا عبد الله وأبا بكر ويُعرف بالحاتمي أو الطائي وبابن عربي وفي المغرب بابن العربي وفي الأندلس بابن سراقة، وكذلك يُدعى بسلطان العارفين وإمام المتقين وغيرها من ألقاب التبجيل والتشريف التي تليق به.

وُلد الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي ليلة الاثنين في السابع عشر من شهر رمضان سنة 560 للهجرة (26 تموز 1165 ميلادية) في مدينة مُرسِية شرقي الأندلس، ثم انتقل إلى إشبيلية سنة 568/1172 فأقام بها حوالي عشرين عاماً ذهب خلالها إلى المغرب وتونس عدة مرات، وأقام هناك لفترات متقطعة ثم ارتحل إلى المشرق للحج سنة 598/1201 ولم يعد بعدها إلى الأندلس. وفي المشرق أقام في مصر مدة وجيزة ثم دخل مكة وعكف على العبادة والتدريس في المسجد الحرام حيث أفاض الله عليه أسراراً وعلوماً شريفة أودعها في كتابه المعروف بالفتوحات المكية. ثم رحل إلى العراق فدخل بغداد والموصل واجتمع برجالها ثم طاف رضي الله عنه في بلاد الروم فسكن فيها مدة وكان له منزلة عالية عند ملكها المسلم كيكاوس. بعد ذلك قام الشيخ برحلات عديدة بين العراق ومصر وسورية وفلسطين حتى استقر في دمشق سنة 620/1223 إلى أن وافته المنية ليلة الثاني والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة 638 للهجرة (9/11/1240 م) ودفن بسفح جبل قاسيون وتسمى الآن المنطقة التي فيها ضريحه باسمه (الشيخ محيي الدين) حيث يوجد قبره في طرف المسجد الذي بناه السلطان سليم حين فتح دمشق سنة 922/1516. وخلّف رحمه الله ولدان هما سعد الدين محمد وعماد الدين أبو عبد الله محمد.

قرأ الشيخ محيي الدين القرآن في إشبيلية على الشيخ أبي بكر بن خلف بالقراءات السبع بالكتاب الكافي ودرس التفسير وسمعه عن عدد من المؤلفين أو من يروي عنهم، منهم أبو بكر محمد بن أبي جمرة عن أبيه عن الداني مؤلف كتاب التيسير، ومنهم ابن زرقون وأبي محمد عبد الحق الإشبيلي الأزدي وغيرهم كثير. وسمع الحديث أيضاً من أبي القاسم الخزستاني وغيره، وسمع صحيح مسلم من الشيخ أبي الحسن بن أبي نصر.

برع الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي في علم التصوف وكتب فيه المئات من الكتب والرسائل زاد عددها عن خمسمائة كتاب على حدّ قول عبد الرحمن جامي صاحب كتاب "نفحات الأنس". أحد هذه المؤلفات وأهمها هو كتاب "الفتوحات المكية" والذي هو بحق أهم مؤلَّف في التاريخ الإسلامي بل من أهم الكتب في تاريخ البشرية. ومن مؤلفاته أيضاً كتاب "تفسير القرآن" الذي يقول فيه صاحب كتاب فوات الوفيات أنه يبلغ خمساً وتسعين مجلداً وربما هذا هو كتاب التفسير الكبير الذي بلغ فيه إلى سورة الكهف عند الآية: "وعلمناه من لدنا علما"، ثم توفي قبل أن يتمّه. وله أيضاً: "فصوصُ الحِكَم" الذي يقول في مقدمته أنه رأى الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم في المنام وأعطاه كتابا وقال له أخرجه للناس ينتفعون به، فأخرجه كما هو من غير زيادة ولا نقصان. وله أيضاً من الكتب: "محاضرة الأبرار"، "إنشاء الدوائر"، "عقلة المستوفز"، "عنقاء مغرب في صفة ختم الأولياء وشمس المغرب"، "ترجمان الأشواق"، "التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية"، "مواقع النجوم ومطالع أهلّة أسرار العلوم"، "الجمع والتفصيل في حقائق التنزيل"، "الجُذوة المقتبسة والخطرة المختلسة"، "كشف المعنى في تفسير الأسماء الحسنى"، "المعارف الإلهية"، "الإسرا إلى المقام الأسرى"، "مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية"، "الفتوحات المدنية"، "الأحاديث القدسية"، وغيرها الكثير من الرسائل الصغيرة. ولقد قام الدكتور عثمان يحيى رحمه الله بتأليف كتاب قيّم حول مؤلفات الشيخ الأكبر سمّاه: مؤلفات ابن العربي تاريخها وتصنيفها، وهو باللغة الفرنسية ثم ترجمه الدكتور أحمد الطيبي إلى اللغة العربية ونشر عام 2001 من قبل الهيئة المصرية العامة للكتاب. وسنذكر في آخر هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ملحقاً عن أسماء كتب الشيخ الأكبر رضي الله عنه.

لقد أجمع الكتّاب والباحثون المختصون أنّ الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي لم يكن مؤلّفاً عاديّاً مثل غيره من المؤلّفين، بل كان يتميّز عن غيره بالكمّ والكيف، وهو نفسه يؤكد أنه لا يجري مجرى المؤلّفين الذين يكتبون عن فكر ورويّة. وقد وصفه بروكلمان بأنه من أخصب المؤلفين عقلاً وأوسعهم خيالاً.

ولقد وردت ترجمة محيي الدين ابن العربي في العديد من كتب التاريخ وتراجم الرجال نذكر منها: "المختصر المحتاج إليه": ج15ص58 برقم 197، "التكملة لوفيات النقلة": ج3ص555 برقم 2972، "سير أعلام النبلاء": ج23ص48 برقم 34، "تاريخ الإسلام": (سنة 631-640) ص352 برقم 549، "الوافي بالوفيات": ج4ص173 برقم 1713، "فوات الوفيات": ج3ص435 برقم 484، "مرآة الجنان": ج4ص100، "البداية والنهاية": ج13ص167، "غاية النهاية": ج2ص208 برقم 3277، "النجوم الزاهرة": ج6ص339، "طبقات المفسرين للسيوطي": ص98 برقم 115، "طبقات المفسرين للداودي": ج2ص204 برقم 541، "نفح الطيب": ج2ص161 برقم 113، "شذرات الذهب": ج5ص190، "روضات الجنات": ج8ص51 برقم 685، "الكنى والألقاب": ج3ص164، "الأعلام": ج6ص281، "معجم المؤلفين": ج11ص40.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الذي نحن في حضرته هو غير العالم الجليل القاضي أبي بكر محمد بن عبد الله ابن العربي المعافري الإشبيلي المالكي المولود بإشبيلية سنة ‏468‏ هجرية المشهور في الفقه والأصول والحديث وله العديد من المؤلفات منها "قانون التأويل" و"أحكام القرآن" و"أنوار الفجر" و"الناسخ والمنسوخ والقبس في شرح موطأ الإمام مالك" و"العواصم من القواصم"،[1] وفي بعض الأحيان يخطئ بعض الدارسين بين هذين العالمين الجليلين وينقلون أقوالاً أو كتباً لأحدهما باسم الآخر. ومن أجل ذلك بدأ أهل المشرق يفرّقون بينهما بحيث يسمّون الشيخ الأكبر بابن عربي (بدون التعريف) والقاضي أبا بكر بابن العربي (مع التعريف). ولكن هذا الاصطلاح لم يعُمّم خاصة وأن الشيخ الأكبر كان، منذ ولادته وكذلك بعض أعمامه وأجداده، يدعى بابن العربي كما ذكر هو في الكثير من كتبه وكذلك كما ذكر تلاميذه الأوائل. وبالعموم نجده في كثيرٍ من المراجع يدعى بهذا الاسم مع التعريف وبدونه، والأصحّ مع التعريف كما كان هو ينسب نفسه، وكما يوقّع اسمه في كتبه، ولكن يتم التفريق بين هذين العالمين الجليلين بأن الأول هو القاضي أبو بكر ابن العربي والثاني محيي الدين ابن العربي، مع أنه أيضاً يدعى أحياناً أبا بكر،[2] وغالباً أبا عبد الله، وهو الأصح، وإذا لم يُذكر ذلك في بعض الكتب فيسهل التمييز بينهما من سياق الكلام بسبب التخصّص لأن الأول فقيه والثاني صوفي.

وفي التاريخ الإسلامي عُرف الكثير من الرجال بهذا اللقب حيث ذكر ابن ماكولا في "الإكمال" بعض هؤلاء الرجال منهم: الزبير بن عربي أبو سلمة النميري البصري، والنضر بن عربي، وإبراهيم بن عربي الكوفي، ويعقوب بن عربي الكوفي، ويحيى بن حبيب بن عربي البصري، وعبد الله بن محمد بن سعيد بن عربي الطائفي، وحسين بن عربي البصري، ومحمد بن يوسف بن عربي البصري.[3]

ويبدو أنّ أحمد بن عبد الله الحاتمي، الذي هو والد جدّ الشيخ محيي الدين، هو الذي كان يسمى بـ"العربي"، فكان ابنه محمد يسمى بـ"ابن العربي"، ومن أبناء محمد والد الشيخ محيي الدين واسمه "علي"، والشيخ محيي الدين اسمه محمد أيضاً، على اسم جدّه، فهو محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي، وهو يوقّع اسمه في كتبه بـ"محمد بن علي بن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي".

وبالإضافة إلى هذا اللقب الذي عُرف به منذ بداية حياته فكثيراً ما يدعوه مريدوه بألقاب التعظيم والتبجيل مثل سلطان العارفين، وإمام المتقين، ومربي الشيوخ والمريدين، والكبريت الأحمر[4] إلى غير ذلك من ألقاب التفخيم والتبجيل التي يستحقها. وابتداءً من القرن العاشر الهجري، بعد أن فتح السلطان سليم الأول دمشق سنة 922 للهجرة وأمر بتشييد مسجد الشيخ محيي الدين وبناء ضريحه إلى جانبه، أصبح ابن العربي يُعرف باسم الشيخ الأكبر.
الخلاصة
وُلد الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الحاتمي الطائي في مدينة مرسية شرقي الأندلس سنة 560 للهجرة (1165 للميلاد)، وكان ذلك في عهد الخليفة العباسي المستنجد بالله، وكانت دولة المرابطين في الأندلس تلفظ أنفاسها الأخيرة لتحلّ محلّها دولة الموحّدين. كان أبو محمد يتبوأ منصباً رفيعاً عند ابن مردنيش سلطان مرسية، وعندما مات هذا السلطان وأخذ الموحدون إمارته رحل محمد مع أبيه وعائلته إلى إشبيلية عاصمة الأندلس آنذاك، وكان عمره عندئذ ثمانية سنين. وهناك في إشبيلية وفي قرطبة تلقى محمد التعليم والتربية على أيدي مشاهير شيوخ الأندلس، وكانت تتهيأ له مكانة رفيعة في قصر السلطان مثل أبيه لولا أنه اتجه إلى طريق الزهد والتصوف. كان ذلك قبل أن يكمل العقد الثاني من عمره، وسرعان ما فُتح عليه بعلوم جمّة أدّت إلى شهرته التي عمّت بلاد الأندلس والمغرب حتى صار الشيوخ يقصدونه من كل حدب وصوب.
وقد قضى الشيخ الأكبر السنوات الأخيرة من هذه الفترة حتى سنة 589 في السفر بين مدن الأندلس قاصدا شيوخ الطريق حتى يتعلم على أيديهم ويستفيد منهم ويفيدهم على حد سواء، وهو لم يبلغ بعدُ الخامسة والعشرين من العمر.


بزوغ شمس محيي الدين
لقد كان يوماً صيفياً جميلاً ذلك اليوم الذي وُلد فيه محمد. لم يكن المخاض حالة أمه فقط؛ لأن ولادته كانت حالة استثنائية في التاريخ بأسره، وكأن الدنيا وُلدت حبلى به. انتقل محمد في أصلاب الرجال أرباب الكرم من أرض النبوات في جزيرة العرب إلى الأندلس، جنة الله على الأرض. في ربوع تلك البلدة الجميلة على ضفاف نهر شقورة وفي يوم رحمة من أواسط شهر رمضان المبارك وُلد محمد بن علي ابن العربي بن محمد الحاتمي الطائي. في ليلة يوم الاثنين السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة 560 للهجرة، الموافق 26 تموز (يوليو) سنة 1165 للميلاد، حيث كان القمر قد بدأ يخلع عمامته البيضاء، وكانت شمس الصيف مقبلة على السهول والجبال تمنح نورها ودفأها للشجر والدواب والبشر والحجر، ولد هذا الطائي في مرسية شرقي الأندلس سليل أسرة عريقة معروفة بالعلم والتقوى والجود والسخاء والكرم؛ فجدّه الأعلى عبد الله الحاتمي، أحد قادة الفتوحات الإسلامية وهو أخو عديّ ابن حاتمٍ الطائي، الصحابي الجليل الذي خاض حروب الردة وأوائل الفتوحات الإسلامية، وكان أبوه علي ابن العربي ذا منصب ومكانة كبيرة عند السلطان ابن مردنيش في مرسية وبعده عند سلاطين الموحدين في إشبيلية.


مرسية
لقد بدأت إذاً رحلة ابن العربي من المشرق، وانتهى شوطها الأول، بالاسم الباطن، في مُرسية، على ضفاف نهر شقورة، في جنوب شرقي الأندلس. هناك رأى محمد الضوء، وهناك أشرقت عليه أول شمس، وتنشّق أول نسيم. على الرغم من أنه لم يعِش فيها سوى بضع سنوات من عمر طفولته، إلا أنّ مرسية لا شكّ كانت دائما تعيش في ذاكرته، حتى إن شمسيهما غابتا معاً، حين استولى عليها الإسبان سنة 636/1239، قبل وفاته بقليل، وكانت يومئذ في يد أميرها أحمد بن محمود بن هود.
يقول ياقوت الحموي في "معجم البلدان" أن مُرْسِية هي مدينة جميلة تقع في شرقي الأندلس من أعمال تُدمير اختطها عبد الرحمن بن الحكم وسمّاها تُدمير أسوة بتدْمُر الشام فاستمرَّ الناس على اسم موضعها الأول، وهي ذات أشجار وحدائق محدقة بها، وبها كان منزل ابن مردنيش، وانعمرت في زمانه حتى صارت قاعدة الأندلس، وإليها يُنسب أبو غالب تمام بن غالب اللغوي المُرسي الذي صنف كتاباً كبيراً في اللغة هو كتاب "الموعب"، وغيره الكثير من أهل العلم والأدب. وكذلك من العلماء الذي أنتجتهم مرسية: شرف الدين أبو عبد الله محمد السلمي المحدث النحوي، وأبو العباس أحمد بن رشيق الأديب الكاتب، وأبو عامر أحمد بن عبد الملك المعروف بابن شهيد الأشجعي الشاعر الأديب (توفي 426/1035)، وأبو محمد عبد الله بن محمد الخشني الفقيه الحافظ (توفي 526/1132)، وأبو الحسن علي بن إسماعيل المعروف بابن سيده الأندلسي المرسي اللغوي صاحب كتاب "المخصص"، وكتاب "المحكم في اللغة" وكتاب في شرح الحماسة، وأبو العباس أحمد المرسي، من أكابر الأولياء المتوفى بالإسكندرية سنة 686/1287، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي البلنسي الإمام الحافظ، والكاتب الشاعر المؤرخ ابن الأبّار، وغيرهم الكثير.
ويقول الحميري في الروض المعطار:
ومرسية على نهر كبير يسقي جميعها كنيل مصر، ولها جامع جليل وحمامات وأسواق عامرة، وهي راخية أكثر الدهر رخيصة الفواكه كثيرة الشجر والأعناب وأصناف الثمر، وبها معادن فضة غزيرة متصلة المادة، وكانت تُصنع بها البُسط الرفيعة الشريفة، ولأهلها حذق بصنعتها وتجويدها لا يبلغه غيرهم... ومرسية في مستو من الأرض على النهر الأبيض، ولها ربض عامرٌ آهلٌ، وعليها وعلى ربضها أسوارٌ وحظائر متقنة، والماء يشق ربضها، وهي على ضفة النهر، ويجاز إليها على قنطرة مصنوعة من المراكب تنتقل من موضع إلى موضع، وبها شجر التين كثير، وبها حصون وقلاع وقواعد وأقاليم معدومة المثال، ومنها إلى بلنسية خمس مراحل، ومنها إلى قرطبة عشر مراحل.
عائلة ابن العربي في مرسية
تماشيا مع الفتوحات الإسلامية هاجر الكثير من العرب إلى المغرب العربي والأندلس، ولا شكّ أن بني طيء أجداد ابن العربي كانوا من بين هؤلاء الناس وربما من بين الجنود الذين فتحوا الأندلس؛ حتى إن الكثير من الأوس والخزرج من سكّان المدينة المنوَّرة هاجروا كلّيّا إلى الأندلس واستقرّوا هناك، ولم يعُد لهم وجود يُذكر في المدينة.
ويَذكر المؤرخ حسين مؤنس في كتابه "فجر الأندلس" وفود طوالع العرب الأولى إلى الأندلس حينما أقبل "الحرّ بن يوسف الثقفي" إليها في ذي الحجة سنة 97/716 بعد فتحها بخمس سنوات، واصطحب معه أربعمائة رجل فأقاموا في قرطبة وما حولها. ثم أقبلت القبائل العربية إلى الأندلس، فسكن في مرسية ربيعة جذام ودوس وغافق، وملكان وأفصي بن مضر وجميعهم من اليمن، فلا شكّ أن عائلة ابن العربي كانت منهم، ومن أجل ذلك يفخر الشيخ محيي الدين بنسبه اليمني كما رأينا في بداية الفصل الأول.
ويقول المقرِّي في نفح الطيب:
ومن أهل الأندلس من ينتسب إلى الأوس أخي الخزرج، ومنهم من ينتسب إلى غافق بن عكّ بن عدنان بن هزّان بن الأزد، ... ومن كهلان من ينتسب إلى مذحج، ومذحج: اسم أكمة حمراء باليمن، ... وطيء ابن أدد بن زيد بن كهلان، قال ابن غالب: بنو سراج الأعيان من أهل قرطبة ينتسبون إلى مذحج. ومنزل طيء بقبلي مرسية.
ينتمي ابن العربي إلى عائلة عريقة مشهورة بالعلم والأخلاق، وكانوا من المقرَّبين إلى الأمراء والحكّام، غير أنه كما قلنا يصعب تتبع النسب بعد عبد الله الطائي، الجدّ الأعلى لابن العربي. ويبدو أنّ هذه الكنية كانت شائعة في المغرب العربي حيث يوجد الكثير من المشاهير بهذا النسب من غير أن يكونوا بالضرورة من نفس العائلة أو القبيلة. وقد تميّز اثنان فقط بهذا النسب (ابن العربي) هما شيخنا محيي الدين، والذي عادة ما يعرف بين علماء المشرق بابن عربي (من غير ألف لام التعريف)، والقاضي أبو بكر ابن العربي (مع ألف لام التعريف)، كما ذكرنا في المقدمة. وهذان العالمان الجليلان، مع أنهما عاشا في عصر واحد وفترات متقاربة زمانا ومكانا ولكنهما ليسا بالضرورة من عائلة واحدة. كما ويوجد غيرهما ممن عُرف باسم ابن العربي أو ابن عربي ولكن أقل شهرة، كما ذكرنا أيضاً في المقدمة. وربما يكون سبب اشتهار هذه الكنية يعود لكون المغرب بربريا في الأصل وعندما فتحه المسلمون العرب وسكنوا فيه كان هذا الاسم ميّزة لبعض الرجال منهم الذين ربّما سكنوا في منطقة بربرية في المغرب أو الأندلس فكان يقال لهم "العربي" لتميّزهم عن غيرهم بهذا الوصف. كما أننا نجد أن أغلب الذين عُرفوا بهذا اللقب إنما ينتمون إلى قبيلة طيء، فربما يكون بينهم قرابة بعيدة من جهة الجدود.
كان أبو محمد يتقلّد منصباً مهمّاً عند الأمير ابن مردنيش ثم بقي في خدمة سلطان الموحدين أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن واستمر كذلك حتى عصر أمير المؤمنين الثالث أبي يوسف يعقوب المنصور. ونحن لا نعرف بالتحديد ما هو هذا المنصب الذي كان يتولاّه أبو محمد ولكن على الرغم من حسن سيرة ملوك الموحدين مقارنة مع المرابطين وملوك الطوائف، إلا أنه ربما كان عليٌّ العربي يُلام لتولّيه مثل هذا المنصب والعمل في بلاط الملوك الذين ربما لم يكونوا محبوبين من قِبل الزهّاد الذين كان محمد ابن العربي يرافقهم؛ فكانوا كثيرا ما ينصحونه بترك منصبه والتفرّغ لنفسه كما سنرى بعد قليل.
في هذا الوسط المحب للعلم والعلماء نشأ محمد وترعرع، ومن صباه كان مرهف الحس والذوق، قوي العاطفة، غلاّب الوجدان، رحب الآفاق في الهمة والتطلع، فانطلقت روحه تبتغي أفقاً أعظم وأشمل من ألوان العلوم والمعارف التي ألِفها عامة العلماء في وقته على علوّ قدرهم.


فترة طفولته وصباه
لا نعرف الكثير عن الفترة الأولى من حياة محمد، إلا أنها لا شك كانت غنية بالمغامرات والرحلات الترفيهية، خاصة لكونه من عائلة غنيّة مقرّبة من الملوك. وهناك إشارات واضحة على أن الطفل محمدا كان هادئ الطبع خفيف الظل متوقداً، ذكي الفؤاد طيب النفس أنيساً، حلو الشمائل لطيف الروح بسيطاً، يكاد يمازج الأرواح لرقته وتشربه النفوس لعذوبتة، ولقد بدت بوادر النبوغ على وجهه منذ نعومة أظافره. مضت سنيّ طفولته بسرعة بارقة وكأنما كان الكمال يدفعه إلى العلا على عجل، وتطلبه الحقائق الأول. غير أنه لم ينس حظه من اللهو والمرح لا سيما وقد كان أهله من الأغنياء وعنده الخدم والحشم، مع أن لهوه ومرحه كان لا يخلو من الدروس والعبر، كيف لا وهو الذي سيكون صاحب الوقت، يحكم على الوقت ويجري مع الأنفاس في مراقبة الله تعالى وتسبيحه وذكره!
كما أنه منذ صغره كان له ميول نحو أهل الله مع أنه هو نفسه لم يكن بعد يعرف طريق التصوف، ولكنه كان يدافع عن الصوفية الفقراء الذين كانوا كثيراً ما يتعرّضون للاضطهاد بسبب عدم قبول الفقهاء لهم والإنكار عليهم عند السلاطين، فكان محمد يعطف عليهم ويُؤويهم، وكان ذلك على الحقيقة سبب فتحه، فقد قال في روح القدس: "ولم أزل أبداً والحمد لله أجاهد الفقهاءَ في حقِّ الفقراءِ السادة حقَّ الجهاد وأذبُّ عنهم وأحمي، وبهذا فُتح لي!".


انتقالهم إلى إشبيلية
عندما بلغ محمد الثامنة من عمره ضاقت به مرسية كما لن تسعه الأندلس بعد حين، فانتقل مع عائلته في عام 568/1172 إلى إشبيلية في جنوب غرب البلاد، وهي مدينة لا تختلف كثيرا عن مسقط رأسه، فهي أيضاً كثيرة البساتين والمنتزهات ذات طبيعةٍ خلاّبةٍ وجوٍّ جميل، ولكنها كانت مدينة كبيرة متعددة الأعراق والأديان يتنافس فيها الفلاسفة والعلماء والمفكرون، كما أنها كانت لا تخلو من النشاطات الفنية والعمرانية المتعددة.
لقد حصل هذا التحوّل بعد موت ابن مردنيش كما رأينا في الفصل الأول حيث انتهت المقاومة ضد دولة الموحدين في شرقي الأندلس وسيطر السلطان أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن على مرسية وبلنسية وذهب أبناءُ ابن مردنيش إلى إشبيلية لإعلان ولائهم كما أوصاهم أبوهم وأخذوا معهم بعض القادة والأمراء، ولا بدّ أن أبا محمد علي العربي كان معهم حيث انتقلوا إلى عاصمة دولة الموحدين إشبيلية. وهناك بقي أبو محمد مقربا من الأمير وكان يشغل أيضاً منصبا في بلاطه.


الخلاصة
بعد أن بدت الشمس في الأفق وبدأت تتسلق نحو صدر السماء، بدأ معها محمد يدرك جمال المشهد البديع، فبدأت أسرار الكون تدعوه تباعاً حتى يفكّ ألغازها ويحلّ رموزها، فلم تقرّ له عين ولم يهدأ له بال، وهو يسعى وراء الآيات والعِبَر، ويطلب رجالها حتى يستفيد منهم فيكون دائماً في مزيد علمٍ وتحقيق. فمع أن الشيخ محيي الدين قد حكى في كتبه عن مئات الرجال وذكر العديد من المنازل والأقوال، فهو ما يزال يؤكّد أنّه لم يعرف منزلاً ولا نحلة ولا ملّة إلا رأى قائلاً بها ومعتقداً لها ومتّصفاً بها باعترافه من نفسه، فما يحكي مذهباً ولا نِحلة إلا عن أهلها القائلين بها وإن كان قد علمها من الله بطريق خاص، ولكنه يقول إنّ الله لا بدّ أن يريه قائلاً بها فضلاً منه وعناية.
فبعد أن جاب مُدنَ الأندلس وأنحاءها، وكان كلّما سمع عن شيخ في مدينة أو ناحية ذهب إليه وخالطه وسمع منه وناقشه وتعلّم منه وعلّمه، صار يتطلع إلى أفق أوسع؛ فذهب إلى بلدان المغرب العربي وإفريقية، حيث قضى سنوات عديدة فيها وانتقل مرّات عديدة بين ضفتي المضيق من الأندلس إلى مدن المغرب وتونس وبالعكس. وأغلب الظن أنه قصد المغرب أول مرّة من أجل لقاء شيخه أبي مدين، مع أنه في الحقيقة لم يلقاه، ولكنّه تعرّف هناك على بعض الرجال الذين كانوا من التلاميذ المقرّبين عند أبي مدين الذين انتشروا في أنحاء المغرب العربي. فخلال السنوات الستة التالية ما بين سنة 589 وحتى سنة 595 زار الشيخ محيي الدين العديد من مدن المغرب وتونس عدة مرات ورجع إلى الأندلس حتى ختم رحلاته بمدينة مرسية (ثم المرية)، مسقط رأسه، التي زارها سنة 595 لينهي بعض أعماله هناك، ثم بعد ذلك اعتزل لأكثر من سنة حتى بداية سنة 597 حيث لا نعرف بالتحديد كيف قضى هذه الفترة قبل أن يترك الأندلس نهائيا ويرحل إلى المغرب ومنها إلى مكّة المكرّمة.
قبل الرحيل (إشبيلية 589/1193)
لقد رأينا في الفصل السابق كيف أن الشيخ محيي الدين رضي الله عنه كان قد التقى أثناء سياحته في الساحل جنوب غربي الأندلس قرب قرية روطة الشيخ أبي عبد الله محمد بن أشرف الرندي الذي وعده أن يلقاه بإشبيلية. ولكن لما وصل الشيخ محيي الدين إلى إشبيلية أقام الله بخاطره الرحلة إلى عبد العزيز المهدوي بتونس ليراه وينتفع به. ويقول الشيخ محيي الدين أن ذلك كان يوم الثلاثاء؛ فشاور والدته في السفر فأذنت له، فأرسل له صاحبه الرندي مع شخص غريب قادم إلى إشبيلية ليقول له: "صاحبك الرندي يُقرؤك السلام وهذا كان طريقه إليك، ولكن خطر لك الساعة أن ترحل إلى تونس فسِر مسلَّماً عافاك الله، واجتماعنا إن شاء الله إذا وصلت إشبيلية".
فمن الواضح إذاً أن الشيخ محيي الدين قد خطرة له بشكل مفاجئ فكرة السفر إلى تونس، وأخذ الإذن من والدته مع أن عمره كان قريبا من ثلاثين سنة، مما يؤكّد برّه الشديد بها. ثم بعد أن بارك له صاحبه الشيخ محمد بن أشرف الرندي ودعا له بالسلامة، فعندئذ شدّ الرحال وبدأ بالترحال.
وتوضح كلوديا عدّاس من خلال مناقشتها لرسالة صفي الدين أبي المنصور ابن ظافر التي ترجمها دنيس غريل إلى الفرنسية، بالإضافة إلى كتاب "مشاهد الأسرار القدسية" الذي كتبه الشيخ الأكبر في إشبيلية بعد عودته من هذه الرحلة أنه من المحتمل أن والده قد كان مرافقا له في هذه الرحلة وذلك لأنه يذكر أنه عندما كانوا في تونس ذهبوا بصحبة بعض المشايخ يوما إلى أحد الحمامات فقضوا فيه بعض الليل ثم رجعوا إلى بيت عبد العزيز المهدوي فأمضوا بقية الليل في الذكر. ثم يقول إنه في الصباح سأله والده: ماذا حدث في الحمام؟ غير أننا لا نملك أية معلومات أخرى عن هذا الموضوع.



الخلاصة
بعد أن دار الشيخ الأكبر دورته الأخيرة في الأندلس وكأنه كان يودعها، وبعد أكثر من سنة من الاعتزال؛ بعد أن ملأ قلبه نورا، وروحه سرورا، تاقت نفسه حنينا إلى الأصل، فقرر الرجوع إلى مطلع الشمس متتبعا أثرها نحو المشرق، نحو المنبع، نحو بكّة، فهناك طلعت شمس المعرفة، في تلك البقعة المقدسة، التي فيها النقطة الأقدس، مركز الأرض، ومركز الكون، حيث الكعبة المشرفة، التي فيها الحجر الأسود، يمين الله في الأرض، من مسحه فقد بايع الله سبحانه وتعالى. وبذلك، لما جاءه الأمر الإلهي عن طريق الرؤيا، شدّ محمد الرحال نحو المشرق متتبعا الطريق الذي جاء منه وهو ما يزال بعد في عالم الذر.
بدأ الشيخ الأكبر رحلته إلى المشرق سنة 597/1200 من المغرب حيث سيلتقي الشيخ الشهير أبا العباس السبتي وغيره من أهل الله تعالى. وهناك أُمر في الرؤيا أن يصطحب معه شخصا اسمه محمد الحصّار الذي التقاه في مدينة فاس وشدّا رحالهما معاً إلى المشرق، ومعه صديقه المخلص عبد الله بدر الحبشي. وكان لا بد أن يزور صاحبه في تونس عبد العزيز المهدوي ومن ثم مرّوا في مصر فأقاموا بها قليلا، وهناك توفي صاحبه محمد الحصّار فتابع الشيخ رحلته نحو مكة في شهر رمضان سنة 598، ولكنه ما كان ليذهب إلى مكة قبل أن يمرّ بمدينة الخليل ليزور مقام إبراهيم الخليل عليه السلام ثم يذهب إلى القدس ويصلي في المسجد الأقصى الذي حرّره صلاح الدين قبل خمس عشرة سنة. وبعد أن أتم الحج سنة 598 بقي في مكة مجاوراً حتى نهاية سنة 600، حيث سيبتدئ شوطا جديداً من الترحال نحو الشمال. وفي مكة ذاع صيته واشتهر هناك بين العلماء وصار يلقي الدروس في الحرم الشريف ويتحلّق حوله المريدون، وهناك أيضاً ابتدأ بكتابة موسوعته الشاملة لعلوم التصوف وفنونه وهي الفتوحات المكية التي سيستغرق في كتابتها حوالي ثلاثين سنة.
مغادرته الأندلس لآخر مرة
بعد أن قضى أكثر من سنة معتزلاً عن الناس كما رأينا في نهاية الفصل الماضي، غادر الشيخ محيي الدين الأندلس بشكل نهائي متجهاً إلى المغرب العربي ومنه إلى المشرق عن طريق تونس ومصر. لا نعلم على وجه التحديد متى غادر ابن العربي الأندلس ولا من أين غادرها، ولكن من المؤكّد أنه رضي الله عنه كان في نهاية سنة 596 أو بداية سنة 597 في المغرب في مدينة يقال لها "منقطع التراب" لأنه ليس وراءها إلا البحر المحيط، وهي مدينة سلا على الساحل الغربي للمغرب إلى الغرب من مدينة فاس. وقد قررنا هذا التاريخ لأننا سنجد الشيخ محيي الدين في بلدة أبجيسل بين سلا ومراكش في شهر محرم أول سنة 597 الموافق تشرين الثاني أو كانون الأول سنة 1200.
ولكن كيف وصل الشيخ محيي الدين إلى مدينة سلا من غير أن يمرّ، على ما يبدو، بالمدن الرئيسية الأخرى على الطريق مثل سبتة أو فاس، والتي لا بدّ لمن يقصد المغرب قادما من الأندلس أن يمرّ بها، إلا إذا فرضنا أنه مرّ بها بشكل سريع من غير أن يترك أي خبر عن ذلك، وذلك احتمال بعيد لأننا نجده يصف بعض تفاصيل رحلته من سلا نحو مراكش وفاس وسبتة وليس العكس. يبدو أن الاحتمال المعقول هو أنه وصل إلى "سلا" قادما من الأندلس عن طريق البحر، ثم ذهب منها إلى مراكش وفاس وغيرها كما سنرى. ليس هناك أية إشارة مباشرة وصريحة في كتب ابن العربي لهذا الافتراض خاصة وأننا نجده دائما يفضّل السفر عن طريق البرّ بدلاً من البحر عملاً بالنصيحة التي يستشفّها من القرآن الكريم، حيث يقول الله تعالى في سورة يونس: [هو الذي يسيّركم في البرّ والبحر كيف يشاء(22﴾]، فيقول ابن العربي: "ابدأ بما بدأ الله به"، ولكنّ ذلك لا يعني أنه لا يجوز السفر في البحر أو أنّ الشيخ محيي الدين لن يقوم بذلك، بل في الحقيقة فإن من المؤكد أن الشيخ محيي الدين قد سافر فعلا في البحر، سفرا طويلا غير الذي كان يقوم به كلما عبر المضيق.
يقول الشيخ محيي الدين في الباب السابع والستين وثلاثمائة حين كان يتحدّث عن قوة الريح أنه رأى ذلك ذوقاً من نفسه حين جرت بهم الريح الشديد من ضحى اليوم إلى غروب الشمس مسيرة عشرين يوماً رغم أن الموج كان كالجبال، "فكيف لو كان البحر فارغاً والرّيح من ورائنا كنّا نقطع أكثر من ذلك، ولكن أراد الله أن يرينا آيات كل صبّارٍ شكور".

الخلاصة
بعد أن ملأ ابن العربي قلبه من نور الفتوحات المكية أراد أن يقرع أبواب المدن الشمالية، ويطوف قليلاً في البلاد ليختار في النهاية مكانا يستقرّ فيه. ففي نهاية سنة 600/1203 بدأ ابن العربي رحلته إلى شمال العراق مرورا ببغداد قاصدا الموصل ليخلع عليه الشيخ علي بن جامع خرقة الخضر، ثم ارتحل إلى مصر مرة أخرى في سنة 603/1206 ولكن لم تطِب له الإقامة فيها حيث قابله فقهاؤها بالاعتراض ودسّوا عليه لدى الأمير فعاد إلى مكة في سنة 604/1207 فأقام فيها مدة ثم بدأ رحلة جديدة نحو الشمال فكان في قونية سنة 607/1210 وزار العديد من المدن في تركيا وأرمينية وحرّان قبل أن يعود إلى بغداد للمرة الثالثة عام 608/1211. بعد ذلك رجع للمرة الثالثة إلى مكة المكرمة سنة 611/1214 ومنها غادر من جديد نحو الشمال إلى سيواس في عام 612/1215 إلى ملك الروم المسلم كيكاؤس الذي كرّمه أشد تكريم وكان يشاوره في كل أموره، ولكن الشيخ لم يقم عنده كثيرا فرجع مروراً بالعراق إلى حلب سنة 613/1217 فبقي فيها فترة قبل أن ينتقل بشكل نهائي إلى دمشق. وفي حلب كما في دمشق احتفى به الملوك الأيوبيون أشدّ حفاوة وكانوا لا يردّون له شفاعة.
وتمثّل هذه المرحلة حقبة مهمة من حياة ابن العربي مليئة بالنشاط والحركة الجسمية والروحية، فبالإضافة إلى رحلاته الكثيرة المتعددة والتي لم يَقم بمثلها من قبل في تاريخه الحافل بالسفر والترحال، فسيجتمع حوله في هذه المرحلة العديد من المريدين ويلتقي بالعديد من الشيوخ ويكتب العديد من الكتب المهمة التي قاربت الخمسين كتابا.
الأمر الإلهي بالنصيحة
كما كان الأمر في الأندلس حين كتب الشيخ الأكبر كتابه الشهير مواقع النجوم كما ذكرناه في الفصل الثالث بعد أن رأى الحق في المنام وهو يقول له "انصح عبادي" فكذلك كان الحال في مكة وكذلك لاحقا في دمشق حيث يذكر الشيخ في الباب الأحد والسبعين حينما كان يتحدّث عن قيام شهر رمضان أن الله سبحانه قد أمره على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بالنصيحة لله ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم خطاباً عاماًّ، كما ورد في الحديث (الدين النصيحة)، ثم خاطبه على الخصوص من غير واسطة أكثر من مرّة بمكة وبدمشق فقال له "انصح عبادي" وذلك في رؤيا مبشّرة، ولذلك يقول إن الأمر قد تعيّن عليه أكثر مما تعيّن على غيره ويطلب من الله أن يجعل ذلك له عنايةً وتشريفاً لا ابتلاءً وتمحيصاً.
ولعلّ ذلك كان سبباً رئيسياً في رحلاته الكثيرة التي سيقوم بها بين بلاد الشام والروم (تركيا) ومصر ومكة كما سنرى في هذا الفصل. لقد بدأ تلك ابن العربي هذه الرحلات برفقة صديق له تعرّف عليه في مكة هو الشيخ مجد الدين اسحق بن يوسف والد تلميذه المعروف صدر الدين القونوي حيث قصدوا إلى الشمال إلى الدولة السلجوقية التي كان يحكمها كيخسرو الأول والذي كان مجد الدين أحد معلمّيه وله عنده مكانة مرموقة.



الخلاصة
بعد أن ملأ ابن العربي قلبه من نور الفتوحات المكية أراد أن يقرع أبواب المدن الشمالية، ويطوف قليلاً في البلاد ليختار في النهاية مكانا يستقرّ فيه. ففي نهاية سنة 600/1203 بدأ ابن العربي رحلته إلى شمال العراق مرورا ببغداد قاصدا الموصل ليخلع عليه الشيخ علي بن جامع خرقة الخضر، ثم ارتحل إلى مصر مرة أخرى في سنة 603/1206 ولكن لم تطِب له الإقامة فيها حيث قابله فقهاؤها بالاعتراض ودسّوا عليه لدى الأمير فعاد إلى مكة في سنة 604/1207 فأقام فيها مدة ثم بدأ رحلة جديدة نحو الشمال فكان في قونية سنة 607/1210 وزار العديد من المدن في تركيا وأرمينية وحرّان قبل أن يعود إلى بغداد للمرة الثالثة عام 608/1211. بعد ذلك رجع للمرة الثالثة إلى مكة المكرمة سنة 611/1214 ومنها غادر من جديد نحو الشمال إلى سيواس في عام 612/1215 إلى ملك الروم المسلم كيكاؤس الذي كرّمه أشد تكريم وكان يشاوره في كل أموره، ولكن الشيخ لم يقم عنده كثيرا فرجع مروراً بالعراق إلى حلب سنة 613/1217 فبقي فيها فترة قبل أن ينتقل بشكل نهائي إلى دمشق. وفي حلب كما في دمشق احتفى به الملوك الأيوبيون أشدّ حفاوة وكانوا لا يردّون له شفاعة.
وتمثّل هذه المرحلة حقبة مهمة من حياة ابن العربي مليئة بالنشاط والحركة الجسمية والروحية، فبالإضافة إلى رحلاته الكثيرة المتعددة والتي لم يَقم بمثلها من قبل في تاريخه الحافل بالسفر والترحال، فسيجتمع حوله في هذه المرحلة العديد من المريدين ويلتقي بالعديد من الشيوخ ويكتب العديد من الكتب المهمة التي قاربت الخمسين كتابا.
الأمر الإلهي بالنصيحة
كما كان الأمر في الأندلس حين كتب الشيخ الأكبر كتابه الشهير مواقع النجوم كما ذكرناه في الفصل الثالث بعد أن رأى الحق في المنام وهو يقول له "انصح عبادي" فكذلك كان الحال في مكة وكذلك لاحقا في دمشق حيث يذكر الشيخ في الباب الأحد والسبعين حينما كان يتحدّث عن قيام شهر رمضان أن الله سبحانه قد أمره على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بالنصيحة لله ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم خطاباً عاماًّ، كما ورد في الحديث (الدين النصيحة)، ثم خاطبه على الخصوص من غير واسطة أكثر من مرّة بمكة وبدمشق فقال له "انصح عبادي" وذلك في رؤيا مبشّرة، ولذلك يقول إن الأمر قد تعيّن عليه أكثر مما تعيّن على غيره ويطلب من الله أن يجعل ذلك له عنايةً وتشريفاً لا ابتلاءً وتمحيصاً.
ولعلّ ذلك كان سبباً رئيسياً في رحلاته الكثيرة التي سيقوم بها بين بلاد الشام والروم (تركيا) ومصر ومكة كما سنرى في هذا الفصل. لقد بدأ تلك ابن العربي هذه الرحلات برفقة صديق له تعرّف عليه في مكة هو الشيخ مجد الدين اسحق بن يوسف والد تلميذه المعروف صدر الدين القونوي حيث قصدوا إلى الشمال إلى الدولة السلجوقية التي كان يحكمها كيخسرو الأول والذي كان مجد الدين أحد معلمّيه وله عنده مكانة مرموقة.



الخلاصة
بعد طول الترحال وقطع البيادي والتلال، طلب الشيخ الأكبر مكاناً للاستظلال، فاختار مدينة دمشق التي تنتهي إليها الآمال. فكما كانت بداية توبته على يدي عيسى عليه السلام، أراد أن تكون خاتمته في مهبط عيسى قبل يوم القيام.
ودمشق هي أقدم مدينة مأهولة في التاريخ وقد وردت الأحاديث الكثيرة بحفظ الله لها وتفضيلها على غيرها من البقاع، فأهل الشام سوط الله تعالى في الأرض، والأبدال في أهل الشام، والشام صفوة الله من بلاده، إليها يجتبي صفوته من عباده، وإليها ينتقل عمود الإيمان، وإذا وقعت الفتن فالأمن بالشام.
وفي الشام، حيث سيقضي السنوات السبعة عشر الأخيرة من عمره، وجد الشيخ محيي الدين الأمن والراحة والاستقرار خاصة وأن له بها الكثير من الأصدقاء والمحبين ومنهم، بالإضافة إلى الملوك الأيوبيين، من له مكانة اجتماعية عالية كعائلة بني الزكي الذين استضافوه وقدموا له الرعاية واحتفوا به أشد الاحتفاء. ففي دمشق كان لابن العربي بيت كان يجتمع به حوله التلاميذ والمريدون ليقرأ عليهم كتبه ويلقي عليهم الدروس بالإضافة إلى انشغاله بالكتابة من غير ملل ولا انقطاع حتى آخر نفَس من حياته.
ففي هذه المرحلة الأخيرة من حياته الذاخرة، سيصدر الشيخ محيي الدين اثنين من أهم كتبه بل من أهم كتب التاريخ البشري على الإطلاق، وهما كتاب "فصوص الحكم" وكتاب "الفتوحات المكية"، بالإضافة إلى مجموعة كتب أخرى.
الوضع السياسي في تلك الفترة
عندما استقر ابن العربي في دمشق كانت تحت حكم الملوك الأيوبيين من عائلة صلاح الدين الأيوبي، وقد بدأ ملكهم لدمشق من بعد صلاح الدين الذي توفي بعد فتحه للقدس بستة سنوات سنة 589/1193 وترك ستة عشر ولداً بالإضافة إلى إخوته وأبناء إخوته، فتنازعوا فيما بينهم على الملك وقامت الحروب حتى انتهت بتقسيم البلاد إلى ثلاثة ممالك: دمشق وحلب ومصر. فأخذ الابن الأكبر لصلاح الدين، واسمه نور الدين، دمشق ولُقّب بالملك الأفضل، وأخذ أبو الفتح حلب وسورية الغربية ولُقّب بالملك الظاهر غياث الدين، الذي لقي عنده الشيخ محيي الدين ابن العربي حظواً كبيرا كما رأينا. أما مصر فكانت من نصيب عماد الدين عثمان الذي لُقّب بالملك العزيز. بعد ذلك توالى على حكم دمشق عدد من الملوك الأيوبيين حتى حروب المغول سنة 658/1260 وبداية حكم المماليك.
استمرت فترة حكم الملك الأفضل نور الدين لدمشق منذ سنة 582/1186، حيث كان أميراً عليها قبل وفاة صلاح الدين، إلى أن جاء بعده الملك العادل الأول سيف الدين في سنة 592/1196 واستمر حتى 615/1218، فجاء بعده الملك المعظم شرف الدين، الذي كان يحكم في السنوات الأولى من فترة إقامة الشيخ محيي الدين ابن العربي في دمشق حتى سنة 624/1227 حيث انتقل الحكم إلى الملك الناصر صلاح الدين داود الذي استمر لمدة سنتين وتولى بعده الملك الأشرف الأول مظفر الدين حتى سنة 634/1237. بعد ذلك توالى عدد من الملوك ولم يستقر الملك طويلا لواحد منهم، فتولى الملك الصالح عماد الدين، للمرة الأولى، واستمر سنة حتى 635/1238 ثم تولى الملك الكامل الأول ناصر الدين، ثم في نفس السنة تولى الملك العادل الثاني سيف الدين، وبعد سنة انتقل المُلك إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب، للمرة الأولى، ثم عاد من جديد بعد سنة إلى الملك الصالح عماد الدين، الذي بقي في الحكم حتى سنة 643/1245 ثم تولى بعده الملك الصالح نجم الدين أيوب، للمرة الثانية، ودام حكمه أربعة سنوات ألحقت بعدها الدولة الأيوبية في دمشق بالدولة الأيوبية في مصر تحت حكم الملك المعظم توران شاه لمدة سنة تسلم بعدها الملك الناصر صلاح الدين الثاني حتى دخل المغول دمشق سنة 658/1260، وبدأ بعدها حكم المماليك.
ولكن بشكل عام، على الرغم من الحروب المتكررة بين الأيوبيين، وحصارهم لدمشق مرات عديدة، فقد نعمت دمشق في هذه الفترة بالأمان والاستقرار ولم تكن الحروب تؤثر بشكل مباشر على الناس حيث كانت معظمها تنتهي باتفاق الملوك بين بعضهم وفك الحصار، باستثناء ما حدث سنة 626 وسنة 635 حيث أدت الحروب إلى تزعزع الأمن بشكل كبير وأثّرت على الحالة الاجتماعية لأهل دمشق، وكذلك أيضاً سنة 643 بعد وفاة الشيخ محيي الدين بعدة سنوات.
الوضع الاجتماعي والديني في تلك الفترة
مثلما كان الوضعي السياسي مستقراً إلى حدّ جيد، كذلك كان الوضع الاجتماعي؛ فشهدت دمشق في هذه الفترة انتعاشاً كبيراً على صعيد الحرية الدينية وقدم إليها العديد من العلماء من شتى أنحاء العالم الإسلامي، إما لطلب العلم أو لطلب المعيشة، حيث وجدوا فيها الملاذ الآمن لهم من غير أن يتعرّض لهم أحد بسوء، بل كان أهل الشام يتلقونهم برحابة صدر وحسن ضيافة. وانتعشت حركة التصوف وخاصة في بداية حكم صلاح الدين مع أن هذا الوضع استمر طويلا في عهد خلفائه.
كان المذهب الشائع في دمشق وعموم بلاد الشام هو المذهب الشافعي، وكان من ضمن المناصب الدينية المهمة منصب قاضي القضاة الذي كان مسؤولاً عن تطبيق الشريعة الإسلامية في شتى أنحاء البلاد بالإضافة إلى الحكم في القضايا المهمة. وكان من أهم القضاة الذين تولّوا هذا المنصب محيي الدين بن الزكي في عهد صلاح الدين ثم العديد من أحفاده من بعده فاشتهرت عائلة بني الزكي بهذا المنصب. وكما سنرى كان لهذه العائلة المشهورة فضل على الشيخ محيي الدين حيث استضافوه عندهم حتى إنه عندما توفي دفن في تربتهم.
لماذا اختار الشيخ الأكبر دمشق
بالإضافة إلى توفر الأمن والاستقرار في دمشق أكثر من غيرها في ذلك الوقت، وكونها كانت ملاذاً آمناً للجميع من غير خوف من تمييز أو اضطهاد، فقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه و سلم في فضل دمشق وتفضيل السكنى فيها. وقد ذكر ذلك الشيخ محيي الدين في وصاياه فقال: "وإن قدرت أن تسكن بالشام فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثبت عنه أنه قال عليكم بالشام فإنها خيرة الله من أرضه وإليها يجتبي خيرته من عباده."
ونورد فيما يلي بعض هذه الأحاديث المؤكدة لذلك، وإنما أكثرت منها ردّاً على من ينكر أفضلية الشام وتأكيداً لوجود الأبدال كما يقول بذلك الشيخ محيي الدين في الفتوحات المكية وخاصة في الباب الثالث والسبعين.
فأخرج السيوطي في الجامع الصغير أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم حول فضل الشام وأهلها فمنها:
• "أهل الشام سوط الله تعالى في الأرض، ينتقم بهم ممن يشاء من عباده، وحرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم، وأن يموتوا إلا همّا وغمّا وغيظا وحزنا."
• "الأبدال في أهل الشام، وبهم يُنصرون، وبهم يُرزقون."
• "الأبدال بالشام، وهم أربعون رجلا، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا: يسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب."
• "الشأم [أو "الشام"]ـ صفوة الله من بلاده، إليها يجتبي صفوته من عباده. فمن خرج من الشأم إلى غيرها فبسخطة، ومن دخلها من غيرها فبرحمة."
• "الشام أرض المحشر والمنشر."
وأفرد الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد خمسة أبواب في فضائل الشام، وذكر فيها أحاديث كثيرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك، منها:
• "بينا أنا نائم [إذ] رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري، فعمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام".
• "رأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة، قلت: ما تحملون؟ فقالوا: عمود الكتاب، أُمرنا أن نضعه بالشام، وبينا أنا نائم ثم رأيت عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله عز وجل تخلى من أهل الأرض، فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام". فقال ابن حوالة: يا رسول الله خِر لي؟ قال: "عليك بالشام".
• "إذا وقعت الفتن فالأمن بالشام".
• "إنكم ستجدون أجناداً، جند بالشام ومصر والعراق واليمن". قالوا: فخِر لنا يا رسول الله، قال: "عليكم بالشام". قالوا: إنا أصحاب ماشية ولا نطيق الشام، قال: "فمن لم يطق الشام فليلحق بيمنه، فإن الله قد تكفل لي بالشام".
• وعن عبد الله بن حوالة الأزدي أنه قال: يا رسول الله خِر لي بلداً أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر عن قربك شيئاً. قال: "عليك بالشام". فلما رأى كراهيتي للشام قال: "أتدري ما يقول الله في الشام؟ إن الله عز وجل يقول: 'يا شام أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي من عبادي'. إن الله قد تكفل لي بالشام وأهله."
• "يا أيها الناس توشكون أن تكونوا أجناداً مجندة، جند بالشام وجند بالعراق وجند باليمن". فقال ابن حوالة: يا رسول الله إن أدركني ذلك الزمان فاختر لي، قال: "إني أختار لك الشام، فإنه خيرة المسلمين، وصفوة الله من بلاده، يجتبي إليها من صفوته من خلقه، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليسق من غدره، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله".
ولم يكن الشيخ محيي الدين هو الوحيد الذي قدم من المغرب العربي واستقر في دمشق، بل كان هناك عدد كبير من المغاربة والأندلسيين الذي قصدوا دمشق إما للتعليم أو للمعيشة، وقد كان للكثير منهم مكانة اجتماعية مرموقة. ولكن المذهب المالكي الذي قدم به المغربيون ربما وقف حاجزاً بينهم وبين الاندماج الكلي مع المجتمع الدمشقي الذي كان يتبع المذهب الشافعي على الأغلب.
الحب المجهول
مع أننا لا ندري التاريخ بدقة، ولكن الشيخ محيي الدين يقول إنه أوّل ما دخل إلى الشام وجد في نفسه حبّاً مجهولاً لا يعرف سببه ولا متعلقه، وذلك أن النفوس لها استشراف على الغيب فتعشق شيئاً أو شخصاً لم تره قط في الواقع ثم تراه بعد وقت فتتعلق به وتعرف أن الحب الذي كانت تُكنّه هو لهذا الشخص أو لهذا الشيء وهي لا تدري.
فيقول الشيخ محيي الدين أن ذلك من ألطف ما وجده في الحب وهو أن تجد عشقاً مفرطاً وهوىً وشوقاً مقلقاً وغراماً ونحولاً وامتناع نوم ولذة بطعام ولا تدري فيمن ولا بمن ولا يتعيّن لك محبوبك. ثم بعد ذلك بالاتفاق إما يبدو لك تجلّ في كشف فيتعلق ذلك الحب به أو ترى شخصاً فيتعلق ذلك الوجد الذي تجده به عند رؤيته فتعلم أن ذلك كان محبوبك وأنت لا تشعر، أو يُذكر لك شخص فتجد الميل إليه بذلك الهوى الذي عندك فتعلم أنه صاحبك.


أقول وعندي من هواك الذي عندي
ولما دخلت الشام خولطت في عقلي
عشقت وما أدري الذي قد عشقته
ولا سمعت أذناي قط بذكره
فجُبت بلاد الله شرقاً ومغربا



مقالة من قال الحبيب له قل لي
فلم أر قبلي في الهوى عاشقاً مثلي
أخالقي المحبوب أم هو من شكلي
فهل قال هذا عاشق غيرنا قبلي
لعلي أرى شخصاً يوافقني علّى

Tidak ada komentar:

Mengenai Saya

anda ingin beselancar internet dengan bahasa arab silahkan klil disini!